رواية فلاحة احتلت قلب المغرور الفصل الثالث عشر بقلم هبة شرارة
خرجنا من الدار والشمس تفترش بقايا أشعتها
مضت أمينه بجانبي تدق الأرض بقبابها الخشبي بخطوات مماثلة تفرقه اللبان وتطوح ضفائر شعرها
كانت أعين الشباب الجالس على عتبات الدور ترشق أجسادنا كالسهام وأثناء سيرنا
اتجهت أمينه نحو دكان زاهر العطار وجذبتها من يدها وقلت لها بضيق
أنت رايحة فين
نفضت ذراعي وقالت
في إيه يا عود الزان رياحه لزاهر العطار أسئلة عن حنة جديد قالالي عليها البنت دلال الغجرية شكرت لي فيها
قلت لها إنها ليس بحاجة إلى حنه وان لون شعرها جميل
ولكنها أصرت على رأيها
اندفعت أمينه تخطو نحو دكان زاهر العطار
كان الدكان عبارة عن مبنى قديم يتخلل الجدران العديد من الشقوق التي تأوي عديدا من حشرات الريف
كان زاهرا يجلس على دكة مستند على باب دكانه الخشبي الضخمة وفي يده بقايا جريدة يتصفح أوراقها الذي ينفس رائحة عفنه
زاهر له وجه مكتنز أسمر اللون دقيق الملامح يضع فوق رأسه طاقية وصلت حوافها إلى اذنيه
نصب قامته ونفض طيات جلبابه التي تقومت فوق بطنه المترهل
استقبل امينة بابتسامه وهو يفتح شدقيه ويبرم شنبه الذي يغطي وجهه المكتنز وقال بصوت غجري
اهلا وسهلا يا امينه يا الف مرحب
ازيك يا عم زاهر اني سمعت ان عندك نوع جديد من الحنه
قال وهو يفرد جلد وجهه الذي ظهر عليه أخاديد الزمن
امال ده انا عندي كل حاجه حلوه وجديدة لكل الناس الحلوين
اطلقت امينه ضحكة عالية ورجعت بجسدها للخلف ثم ضربته على صدره وهي تقول
طيب لما نشوف
دخل العطار في الدكان وقلب في بعض الصفائح المرصوصة في أرضية الدكان وأخذ حفنة من الحناء ووضعها في يد امينه وقال لها
دي حنه ما تلاقيها الا في الحسين اه وحياة النبي
فرقت امينة الحنه بين أصابعها وقالت
طيب اوزن لي بقرش صاغا وهو نجرب هو يعني هنخسر حاجه
اقتربت فتاة شعثاء حافيه القدمين والذباب يحوم حول وجهها واعطت العطار منديل ملفوف فتح المنديل وأخرج منه بعض النقود
وقال للفتاة بلهجة هجوم
الحساب كده ناقص 3 مليمات روحوا قولي لامك الحساب ناقص 3 مليمات
حكة الفتاة جسدها ثم هرشت شعرها وقالت
امي بتقول لك الباقي الشهر اللي جاي وهي عايزه بكرش صاخ مغات
بصق زاهر على الأرض وقال بهمجية
الله يخرب بيت الشكوك واللي عايز يشكك
فتح درج البنك والقى به النقود واردف قائلا
غوري يا بنت قولي لها لما تدفعين الحساب اللي عليه الاول
هرولة الفتاة تطوي الأرض بأقدامها المتشققة وهدأ زاهر من ثورته ونظر لامينه وقال
ليها نفس تشرب مغات طب لما تدفع اللي عليها عالم بتحط في بطنها وخلاص
ردت امينه بدلال
معلش يا عم زاهر الناس غلابه تعمل ايه
قال لها وهو يعطي لها لفه الحناء
وربنا بردك عالم بحالي ولا هما غلابه وانا اللي على راسي ريشه
ضحكت امينه وهي تدس يدها في صدرها واخرجت منديل فتحته واعطت العطار ثمن الحناء وقالت له وهو ينظر لصدرها العاري
الفلوس يا عم زاهر
التقط النقود ودسها ثم قبلها ووضعها في درج البنك
جذبت امينه يدي وانا اراقب سرب من الحمام يحلق في السماء وقالت لي
هو انت بتبصي على ايه
قطعت حديثها وهي تنظر لعطوه وهو ينبش الارض بعصاه ويتمتم باغنيه
واد يا عطوه تعالى
اسرع عطوه بخطوات نحونا قلت لها
لم ترد على سؤالي ووجهت حديثها لعطوة
واد يا عطوة تعالى معانا الغيط وساعدنا بجمع القطن ونحن حداك مليم
نظرة عطوة لي وهو يحك جسده بعصاه
هي الست الزان جابه معانا
ضحكت أمينه وهي تنظر لي وقالت
أبوه جابه
قفز عطوة في الهواء وقال وهو ينكس رأسه في خجل من رد فعله
طيب أنا جاي معكم
نزلنا حقل القطن بين أعواده اليابسة التي تحمل القليل من لوزاتو القطن ألقت أمينه طرحتها على رأس الحقل
عقد ت شعرها وعقدت جلبابها حول خصرها وانسدلت من أسفل عقده جلبابها قميص من القماش النايلون لونه بنو
قلت لها في غضب
نهارك أسود يا أمينه هو أنت هتجمعي القطن بالمنظر ده عيب اختشي ونزلي الجلابية
قالت وهي تدفعني
هو حد واخد منها حاجه وحياة النبي بلاش الحبتين بتوعك دول
سال لعاب عطوه وهو ينظر لأردافها التي ظهرت أسفل القميص البني التقطت امينه حصوة وألقت بها في عطوه وهي تقول
بتبص على ايه يا اهبل
قلت لها وانا اخفي ابتسامتي خلف راحت يدي
يلا هو حد واخد منها حاجه
اخرجت امينه لسانها لي واندفعت بين اعواد القطن وتعالى صوتها بانشوده
كانت اعواد القطن تجرح في رجليها ولا تبالي وتواصل غنائها وهي تجمع لوزات القطن وتكدسها في صرة جلبابها وعطوه يدندن أغنيتها في مرح
وعندما بدأ الظلام اقترب عطوة مني وهمس لي بصوته المتقطع
ست زال أنا هخد شوية القطن دول علشان اشتري كوز عسل
طوحت أمينه نهديها وأخرجت ضحكه مشخلعه وقالت
ده إلا فاضل أنت يا أهبل عاير تشرب عسل
رامقتها بنظرة وقلت لها
حرام عليك يا أمينه
ونظرت لعطوة وأنا أتابع قولي
خدهم يا واد حلال عليك
قطعت أمينه عود واندفع نحو عطوة وهي تقول
يأخذهم خدوا عزرائيل حط يا وادي القطن لاحسن والنعمة الشريفة اسلخك بالعصا
اخرج عطوه لسانه لها وضم جلبابه الممتلئ بالقطن بين يديه وهو يقول لها
هاخدهم يا امينه لما اشوف بقى هتعملي لي ايه
امينة امينة حافي كده
انطلق عطوه يعدو وأمينة خلفه تمسك بعصا القطن في يدها وصرت جلبابها المدلاة باليد الاخرى وقميصها البني يرفرف مع نسمات الهواء
نظرت لمنظرها وانفجرت في الضحك وعلى اول الحقل شاهدت اخو امينه يمتطي جوادا نظرت له امينه ثم نظرت لرجلها العارية وبسرعه شديدة فكت عقده جلبابها لينزل على ارجلها وانفرط منه القطن متناثرا على الارض
طوح سعيد عصاه في الهواء وارتفع صهيل فرسه ثم دفعها بقدمه وارتمت على الارض
نزل من على الفرس بعصاه الغليظة اكال لها الضربات وصياحها يشك صمت المكان شهقت بأعلى صوتي واسرعت نحوها وجذبته من جلباب والقيت بجسدي عليها وانا اصيح في وجهي
انت ماعندكش رحمه
نظر لي والشرار يتطاير من عينيه وتحدث بلهجة عصبية
دي هتفضل طول عمرها في الطين انا بنظف فيها وهي تحن لأصلها
لم أهتم بكلامه واحتضنت جسدها المتهالك وهي تبكي بكاء مريرا وقف ينظر لاخته بعيون متحجرة بجانبه كلبه يتمسح في حذائه
امتطى فرسه وجذب لجامه وهو يامره بالمضي اندفع الفرس يدق الأرض بحوافره تاركا خلفه غيمات من التراب كان عطوه مختبئا خلف جذع شجرة جميز
يراقب الموقف وهو يكتم صوت اصتكاك اسنانه من الخوف ظهر بعد ان رحل سعيده بجواده واحضر معه كوب مائه من الترعه وتقدم نحونا وقال لامينه
انا جبت لك ميه علشان تغسلين وشك
ربط على كتفها بيده الخشنة وقال لها في اسي
ما تزعليش يا ست امينه سعيد طيب وإن شاء الله لما تروحين هيصالحك ويجيب لك عسليه ضحكت امينه وهي تضرب عطوه على صدره العاري وقالت له
جاتك ايه يا واد يا عطوه ضحكتني وانا ماليش نفس
نهضت تنفض التراب من على جلبابها نظرت الى كروانا يحلق في السماء ناثر خلفه الحانه العذبه قلت لها
يلا يا امينه المغرب قرب يأذن شهلي علشان نروح
عندما أشرفنا على دخول الكفر نادت احدى نساء الكفر على عطوه ليقضي لها طلب عطوه اسرع تجاه السيدة وهو يحمل سره القطن التي جمعها وهمست امينه في اذني وقالت لي انها تود مقابلة منصور قلت لها في حنق
انت ماترحميش يا امينه مش كفايه اللى جرى
طوحت الهواء بيدها وقالت أن ليس أمامها فرصة أخرى لمقابلتة غير هذا اليوم
اسرعت نحو المكان الذي تقابله فيه وتركتني وانا اضرب كفا بك على تهورها ودائرة اللامبالاة التي تعيش فيها