الفصل الثاني عشر من رواية فلاحة احتلت قلب المغرور بقلم هبة شرارة
وبالليل بعد ان تناولنا العشاء كان الليل ساكن لا يقطعه غير طنين الوابور الذي وضعت عليه براد الشاي ثم فجأه قطع الصمت صراخ وعويل
بسقت ستيتة في صدرها وهي تقول
خير يا رب
قال عمي منصور وهو يلعق أصابعه من آثار السمك
هي الست اللي اسمها بهانه دي مبتتهدش عماله تناكف في الوليه احلام في الرايحه والجايه طب والله ما انا طالع حتى لو موتوا بعض
نظرت لعم منصور وخرجت مهرولة الى الحاره ورأيت العديد من الاقدام تتجه نحو دار شلبيه كان سقف دارها يتصاعد منه أمواج من الدخان والناس تصيح باعلى اصواتهم
جميع سكان الكفر اطفال ونساء ورجال وشيوخ التفوا حول الدار يحملون المياه حتى ولو كوب ماء
تحولت دار العم منصور الى ضجيج عالي واقدام تحمل المياه اخترقت الحشد الملتف حول الدار ورأيت احد شباب الكفر ينتزع جسد شلبيه الممتلئ وهي منكفئة على جذع شجرة عارية من الغصون الزمن سرق عروقها
كانت تحتضن الأرض اسفل هذه الشجرة لا تخاف من النار التي تحيطها
دفع احد الشباب السيدة الى دار العم منصور وجلست على الارض تحتضن صدرها المكتنز وتبكي بكاء مرير
ولاول مره التمس المشاعر في قلب هذه الآدمية التي انطوت في بيتها تسبح مع الأشباح مبتعدة عن البشر
قهرت شيخوختها تحت سقف هذا الكهف وتركت نفسها الوحدة والعزلة حتى تحولت لانسان بدائي لا يعرف كيفية التعامل مع الناس
غابت العديد من الوجوه المعتاده لها عن ذاكرتها اندفع نحوها كلبها العجوز باقدامه العرجاء واخذ يلعق كفيها التي دفنت بينهم وجهها
نظرت لها ورايت بين طيات وجهها القاسي الملوث بالدخان حنان دفين زفرت عيناي بالدموع و مسحتها بطرف كم جلبابي ملأت كوب من الماء وقدمته لها
صرخت في وجهي صرخة مفزعة رجعت للخلف مذهوله وانا انظر لوجهها المشتعل من الغضب ضمت كلبها لصدرها ونهضت خارج الدار
في صباح اليوم التالي سمعت صرصره امينه خلف الباب الخشبي القديم وهي تدقه بنقراتها المفزعة والتي تتراقص على اثرها رؤوس المسامير التي تتخلى الباب الدار
فتحت الباب ونظرت لها بوجه تشع منه الفرحه كانت تضع فوق رأسها قفة مغطاه بقطعة قماش بيضاء
فتحت ذراعي احتضنها وارحب بها ضربت صدري بضعف
قالت وهي تلتقط انفاسها
نزليني الاول وبعدين السلامات
مسكت اذن القفة ووضعتها على الارض واخذت امينه نفس عميق ثم جذبت جلبابها الضيق لتحشر فيه طيات لحم جسدها المرهق
قالت وهي تحكم لف طرحتها المدللة على ذراعيها العاريين
حقه يعود الزان كان عندكم في الحاره حريقه
وقبل ان ارد على سؤالها لوت ستيت عنقها وطرقت الأوزة التي تلتقط الحب ونهضت مسرعة من على الجوال الذي فرشته على الأرض ثم التقطت قماشه قديمه من على الفرن
قالت وهي تجفف يدها
صباح الخير يا ست البنات ازيك يا امينه يعني لازم يكون عندنا حريقه علشان نشوفك
تجاهلت امينه ترحيب ستيته ونظرت لي وانا احدق بعيون تملؤها الدهشة تجاه هذه السيدة استعجب من موقفها تجاه امينه
أليست هذه امينه التي كانت تقذفها بافظع الالفاظ من فمها الذي تعود على تجريح الضعيف الذي لا يقوى على الدفاع عن نفسه أمام ذل لقمة العيش
أليست هذه امينه التي كانت تركبها بقدمها إذ لم تلبي لها طلب ترى اذا كانت أمينة في وضعها الأول فتاه مسكينه تحارب من أجل قوت يومها
ترى إذا كانت بهذا الوضع هل كانت امرأة مثل ستيته ترحب بها هذا الترحيب ام ان المال يجعل من السيد عبدا له
بصقت على الأرض وانا اقول لنفسي امينة الآن تستحق احترام هذه السيدة لديها المال الذي تصنع من خلاله احترام البشر لها وخاصة تلك النوعية نوعية عبيد المال
مسكت يد امينه بشدة وقلت لها وانا افتح باب المندره
اتفضلي يا امينه البيت بيتك انت مش غريبه
نظرة امينه لستتي وقالت وهي تتمايل بجسدها الممشوق
اوعي يا خاله تخلي الطير يجرب من القفه بعدين ياكل اللحم والخضار
قال ستيته وهي ترسم ابتسامة وسط التجاعيد التي تغطي وجهها النحيف
من عيني
وفي المندرة خلعت امينه منديلها وتربعت على الكنبة ثم نكست المنديل الذي تغطي به راسها وقامت بجدل ضفيرتها بشكل منسق عما كان عليه وقالت
احكي بقى عن الحريقه
قلت لها وأنا اتكئ على مسند من مسند الكنبة
والله يا امينه ده انت عايزه جنازه وتشبع فيها لطم وعلى العموم يا ستي دي كانت في دار شلبيه والحمد لله احنا لحقناها وطفيناه قبل ما تطيح في الدور اللي حواليها بس يا حول الله دي خلى دار شلبيه فحمه
والغريب ان الوليه الخرفانه في عز النار مش عايزة تسيب الدار لولا واحد جدع شدها ورماها برا الدار
يوهي يا بنت انت ما تعرفيش دي سعيد اخويا قال ان بنتها لما صابها العيا وماتت ما رضيتش تدفنها في الترب ودفنتها في الدار
بدأت امينه تسرد حكاية سعيد مع شلبية هذه المراه البدينه المنطوية عن جميع البشر فقبل هروب سعيد من الكفر قبل أن تبتلعه البراري
كان يزور شلبيه حيث كان يحضر لها دواء لابنتها المريضة التي اخفتها عن الأنظار حتى لا ينهش جسدها عيون الحاسدين فكانت الفتاة آية في الجمال
شلبيه تخاف عليها فهي آخر جسد يتحرك على الأرض من عائلتها ولكن رغم الحذر الذي نسجته حول ابنتها الى ان القدر كان له رأي آخر
فنزع الفتاة من خيوط شلبيه العنكبوتية فنخر المرض جسدها وتحول الجسد النابض بالجمال الى جسد هزيل لا يتبقى منه غير عظامه حتى جاءت الساعة الحاسمة وتحطمت العظام بين طيات التراب
هكذا أفصحت امينه عن سر غامض من أسرار هذه المرأة فعلى الرغم من قسوتها الا انها تحمل بين ضلوعها قلب نابض بالوفاة حتى لانسان محي القدر اسمه من الوجود فابت ان تطرق عظام ابنتها بين فوهة النار التي اندلعت في دارها
عندما انهت امينه حديثها عن شلبيه نفضت غيامه الحزن التي حطت على ملامح وجهي من اثر سماع مأساة هذه المرأة المسكينة
نهضت من على الكنبه وجذبت من تحتها كيس الملابس الذي ابتاعته لي ستيته من البندر وفرغته على الحصير المفروش بين الكنب الذي يحيط بالحجرة
سألت أمينة عن رايها نزلت امينه من على الكنبه وجلست على الارض تقلب في الملابس وهي تمصمص شفتيها في حسرة وقالت بغضب
اللى تنشك في قلبها جايبه لك هدوم من بتاع الروبابيكيا
مسحت جدران المندرة المتآكلة بعيون تملأ والحسرة
نظرت امينه لي ورات علامات الانكسار فوق ملامح وجهي وربطت على كتفي وقالت
ولا يهمك بكره سي سالم يجيب لك احلى هدوم من البندر
قلت لها وانا اتنهد
سالم يجيب اما نشوف بكره الايام هتكشف لي كل حاجه
ثم طأطأت رأسي وتابعت قولي
جايز كل شيء جايز
وكعاده امينه تحاول دائما انتشالي من احزاني قالت لي وهي ترسم على شفتيها ابتسامه دافئه
هو ابوكي منصور جمع الجمعة الثانية في القطن
طوحت راسي وانا اقول لها لا
عقدت منديل رأسها ونهضت وهي تجذبني من يدي وهي تقول
قومي معايا هنروح الغيط ونجمع باقي القطن
نظرت الى وجهها وفهمت ما يدور في خلقها فهي تود ان تقوم بجمع باقي البطن و بيعه واشتري بثمنه ملابس جديدة بدل تلك الهلاهيل التي أغرتني بها ستيته
نظرت لامينه وقد تسللت خيوط السعاده الى ملامح وجهي ثم قلت لها
والله فكره هنقول ايه لستتي
أخذت أمينة نفس عميق وقالت بصوت عالي انها تتولى هذه المهمة وتقول لها انها تريد ان تشتري بعض الاشياء بحاجة لمساعدتي وبالطبع ستوافق ستيتة فهي لن تتمكن من رفض أي طلب الست أمينة