أخر الاخبار

الجزء التاسع من قصة فلاحة احتلت قلب المغرور للكاتبة هبة شرارة

 

الجزء التاسع من قصة فلاحة احتلت قلب المغرور للكاتبة هبة شرارة


الجزء التاسع من قصة فلاحة احتلت قلب المغرور للكاتبة هبة شرارة


وفي طريقي للناحية البحرية شاهدت عطوة المخبول أعطيته مليما وطلبت منه أن يصاحبني لبيت أمينه مشى عطوة بجانبي وهو يرفع راسيا ويشد قامته ويضرب بعصاته يمينا وشمالا كأنه يزهو بنفسه ويريد أن يراه كل أهل الكفر

ضربته على كتفه وقلت له

امشي عدلي يا ولا

مسح المخاط الذي ينزل من فمه في جلبابه المهلهل وقال في كلمات متقاطعة

ماني ماش عدل أهو يا ست الزان مش تهديني المليم

ضحكت وقلت له

لا مش هديك إلا لما توصلني حاكم أني ما رحت الناحية دي خالص

دي سهله خالص دي جنب دوار العمدة بالك أنت يا ست الزان سي سعيد أداني مليم زي كده امبارح سعيد مين يا ولا

سعيد أخو الست أمينة

آه طب يا سيدي يلي افرح هديك أني كمان واحد

وفي الناحيه البحريه وجدت كل مبانيها من الطوب الأحمر يحيط بها مزارع الفاكهة وعندما اقتربنا من البيت أشار لي عطوه الى الدار

وطلب مني ان افي بوعدي له واعطيه المليم دسست يدي في جيب جلباب واخرجت له من منديل تعودت ان اضع فيه الملاليم التي يعطيها لي العم منصور من وراء ستيته

واعطيت عطوه المليم مسك المليم وقلبه يمينا وشمالا ووضعه تحت ضرسه ثم قفز في الهواء فرحا به وانطلق وهو يدعو لي حتى اختفى داخل مزارع الفاكهة

وعلى باب حوش الدار وقفت أتأملها كانت الدار لا تختلف عن دوار العمده صبغت باللون الاصفر دخل الى قلبي الخوف من أن أرى وسط هذه الدار فتاة اخرى غير أمينة التي اعرفها

وفي حوش البيت وجدتها تنشر بياضات الكنب على أحبال مثبتة في اوتاد والدجاج متناثرة في ارجاء الحوش ينبش الارض بمنقاره بحثا عن الطعام

وفي وسط الحوش جلست امرأة استأجرتها امينة ترتدي جلبابا بني اللون تعجن التراب بالماء لتصنع عششت الفراخ كانت أمينة فارعه العود ترتد جلبابا نظيفا بنصف اكمام وعندما شاهدتني هرعت الي في لهفة وضمتني الى صدرها وهي تقول بفرح

عود الزان يا الف مرحب نورتى انت ما جيتيش ليه من زمان ده انا كنت مستنياك ثم جذبتني نحو الداخل

وقبل أن ندلف الى البيت قالت للسيدة التي تصنع اعشاش الفراخ

شهلي يا خاله صالحه وخدي بالك انا عايزه غرفتي كبار وغرفه صغيرة


كان البيت عبارة عن أربع حجرات مفتوح على باحة الدار التي تفتح على الحوش فالبيوت الثرية هي التي تمتلك بهوا أمام المنزل

وفي المندرة تهاويت على أقرب كنبة وطأطأت رأسي امسح عرقيا بطرف جلبابي اعتدلت في جلستي وقلت لأمينه وحشتيني يا أمينه ما عادش حد بيشوفك ليه

كانت المندره محاطة بكتب مفروش بياضات جديدة ووسطه فرشت حصيرا وعلقت بعد الآيات القرآنية على جدار المندره

قالت أمينه وهي تتجه ناحيته غرفه أخرى وأنت كمان وحشتيني يا بنت

وعادت أمينة ومعها صينية الشاي ورابور ووضعت الوابور على الأرض وجلست بجانبي وهي تمسك بالثقاب مسكت يدها وقلت لها

والله ما أنت عاملة حاجة أنا مش جايه أضاف انا عايزه اقعد معاكي قبل ستيتة ما تعرف اني مش في الدار

تربعت امينه على الحصير وقالت

وهي راحت فين اللي تنخفي

راحت لسقساقة علشان تروح البندر وتجيب لي هدوم جديدة علشان اعجب العريس

انتفضت امينه من جلستها وجلست بجانبي على الكنبه وقالت عريس

لدغتني في ركبتي وهي تقول وساكته من الصبح

ابتعدت عنها وانا ازمجر اخص عليك يا أمينه ايديك تجيلين القرصه جات جامدة

ربطت على كتفي بخفة ثم هوت مرة واحدة بكفها على جسدي وقالت معلش يا اختي

دفعت يدها وانا اقول لها بغضب

هو انت مش هتبطلي الخصلة السوداء دي اوعدك كده

ضربتني على صدري وقالت

يا بنت قولي الله يخيبك لاحسن الوليه زمانها جايه وحطين عيشتك لو ملكيش في الدار

انتفضت وهي تنذرني باقتراب موعد وصول سيتيته وقلت لها اني ما اعرفش حاجه خالص غير أن اسمه سالم ابن الحاج عبد الفتاح من الناحيه البحريه تعرفه يا امينه

ضحكت امينه وهي تهز راسها وتقول

اللي اعرفه هو في حاجه في الكفر تخفين علي بس يا بنت ده بيقوله انه بتاع نسوان وصاحب كوبايه على طول في المولد حدا الغوازي بس سيبك انت انت ممكنا تلفيه ومتخليهوش يفلت من تحت باطك

نكست راسي اسفه على حظي فأنا لا أعرف أساليب امينة الملتوية حتى أجعل منه زوجا صالحا

تابعت امينه قولها

بس دي ولد طيب ممكن ينصلح حاله لما يتجوز حاكم الشباب كله كده وكمان دي احسن وافضل من العيشه مع ستيتة واهو نصف العمى ولا العمى كله

قلت لنفسي امينه عندها حق صحيح ضل راجلا ولا ضل حيطه

واستسلمت لهذه الفكرة التي سلبت نفسي في حلم مفزع واستبدت براس فكره الزواج ينقذني من النار التي اعيش بها ولم يخطر ببالي انني اصافح الموت والقي بنفسي في هم جديد

خرجت من مأساتي لاتنقل لمأساة امينه وسالتها عن اخر اخبارها وقالت لي بصوت منكسر وفي عينيها قطرات من الدموع

ان ايامها الاولى في هذه الدار شعرت بالزهو والفخر لانها اصبحت مثل باقي فتيات البلدة تلبس القبقاب وترتدي الجلاليب الجديدة والمناديل المزركشة بالخرز

ولكن كل هذا الثراء مقابل حريتها وأصبحت حبيسة هذه الجدران بعد أن كانت تقفز وتجوب شوارع البلدة بعد مرور عدة أشهر كل شيء تبدل وتغير فأصبح منزلها الجديد المكون من أربع غرف يضيق وينكمش وشعرت أنه سيأتي يوم وتختنق وسط هذه الجدران

كنت أعلم انها لم ولن تحتمل ان تعيش حياة الشرفاء فلم تستطع اوامر اخيها الصارمة انتشالها من حالة الضياع التي كانت تعيشها فجسدها لم يعد يحتمل جلباب نظيف وقدميها لم تعد قادرة على حمل القباب وشعرها اختنق تحت منديلها

كما أنها لم تعد صامدة أمام مطالب جسدها فدخلت نوبات صراع بين تلك الخبيثة وأوامر أخيها وتعرفت سر على محمود ابن شيخ الغفري فكانت تتسلل ليلا وتقابله في حظيرة البهائم

هذا المكان الذي شاهد جسدها وهو يتلوى في أحضانه

وبعد مرور ساعة وأمينة تشكو لي حالها تنحني سعيد وهو يقف على باب المندره بجواره كلبه الذي تعود على اصطحابه معه في كل مكان

نهضت أمينه من على الكنبة وهي تقول تعاليي يا سعيد ما فيش حد غريب

رفع نظراته التي دفنها بين قدميه ورحب بي وهو يقول أهل وسهل أخبارك إيه يا عود الزان

قالت أمينه وهي تهز رأسها قبال عندك دي هتتخطب لسالم ابن الحاج عبد الفتاح دي حده هنا دار في الناحية البحرية

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-