الجزء الرابع رواية رومانسية رواية كاملة فلاحة احتلت قلب المغرور للكاتبة هَبَّة شرارة
وفي الصباح الباكر فتحت النافذة على مصراعيها استمتع بعبير الشوق والحنين للمكان الذي يحتوي على اجمل أيام حياتي
أسرعت إلى الفراش الذي ينام عليه عم منصور وطبعت قبله على خده فتح عينيه واستقبلته بوجه بشوش ولكنه دفن راسه تحت غطاء السرير كأنه يهرب من علامات فالفرحة التي تتراقص فوق ملامح وجهي جذبت الغطاء وقلت له انني أعددت الإفطار
وبعدا ن تناولنا الإفطار استقلينا الكارتة.وبدأ الجواد العليل يشق الأرض برجله الضعيفة وأنأ اطلق أنفاسي الحارة من بين ضلوعي ساخطة على الوقت الذي يمر ببطء شديد تحت ارجل هذا الجواد العليل
جلس العجوز يحدق في أرضية العربة وذقنه فوق صدري كأنه يحمل تلال من الهموم لا اعلم مصدرها حاولت ان اعرف سبب القلق الذي ظهر على وجهه ولكنه نهرني وطلب مني ان اجلس مثل التمثال والا سيلغي الزيارة ويعود بي الى الدار تركته في صمته حزين النفس محطم الأعصاب والتزمت أنأ أيضأ الصمت وركزت انتباهي في صوت عجلة العربة وهي تغادر أراضي كفر المنشاوي حتى توقفت في ساحة موقف العربات المتجهة الى بلده النعمان
وفي العربه تلاحقت انفاسي بشده وهي تطوي الأرض وانأ أود ان نصل في سرعة البرق وضعت يدي فوق صدري وأخذت نفس عميق وأرخيت جسدي على المقعد واستندت براسي على جسد عمي منصور وأغمضت عيني واستسلمت لناقوس الذكرى التي تدق راسي حاملا معه حنين الماضي وذكرياته الجميلة التي صمدت شامخة أمام جبال النسيان الذي حاولت صنعها لهدمها حتى استطيع ان أتقبل حياة تدمي بين أصابع يدي
وبعدا ن تجاوز ساعتين توقفت العربة على الجسر الترابي للنهر وسرت أنا وعمي منصور في الطريق الفاصل بين البلدة والنهر وأشجار النخيل تحيط بنا من على الجانبين المنظر يبدو كلوحة فنية رسمها أخز عبقري صادق الحس لا يفسده غيرا حجار الجبانة التي تقف كعزرائيل الموت على الضفة الأخرى من النهر كان النهر يفصل بين الموت والحياة
وعندما انتهت مزارع النخيل
ظهرت الاراضي الزراعية ينحني كل فلاح ينبش الأرض بفأسه مضى العديد من الفلاحين يجرون مواشيهم وأسراب من النسوة والفتيات يحملن البلاليص والزلع تدق كل واحده الأرض برجليها ويهتز على اثرها رنين الخلاخيل ويتصاعد منهن همسات وضحكات
وعلى الطريق اندفع نحونا صبي واختبأ بين طيات جلباب عم منصور وأطرافه ترتعش من الخوف يطلب النجدة خرج رجل من بين اراضي البرسيم يمسك طرف جلبابه بفمه وفي يده عصا وقال بصوت غاضب
والله لاوريك يا ابن الغبره
شمر منصوركم جلبابه وهو يدفع جسد الرجل عن الصبي ويقول له يهدئ من ثورة غضبه
روق يا عرب دي عيل صغير
نظر الرجل لعمي منصور واحترم شيبته وهدى من ثوره غضبه وقال
دي مدقش الوتيد كويس والجاموسة انطلقت واكلت البِرسيم يرضيك كده يا عم الحاج
لا طبعا ما يرضينيش بس دي لسه عضمه طريه ما يعرفش حاجه علمه بالهداوه
هز الرجل شعره الأشعث وقال
ماشي يابا الحاج انا هسامحه المره دي علشان خاطر سحنتك السمحة دي فوت قدامي يا واد
ما زال الصبي يمسك في جلباب عم منصور وقال وهو يبكي
لا انته تضربني
مط الرجل شفتيه وقال
شوف الواد مش هضربك يا اخويا فوت قدامي الدنيا ليلة
ترك الصبي جلباب عم منصور بعد أن أخذ وعد من ابيه بعدم التعرض له وغاص معا في أراضي البرسيم
تابعنا الطريق والقى العم بالمنصور السلام على بعض الفلاحين الجالسين تحت فروع شجر الجميز يتجرعون الشاي رحب أحدهم بالسلام ودعا عم منصور لتناول الشاي بينما اكتفى البعض الآخر بإيماءات من رؤوسهم
تدافع صوت السواقي والماء ينساب بين ذراعيها يطرب اذني ولفت نظري الساقية التي كنت العب تحتها مع صباح بنت العمده كانت صباح تكبرني باربع سنوات ترى اين أراضيها الان
وعلى اول البلدة اتجهت نحو الطلمبه التي تتصدر المصلى القبلي وضعت راسي تحتها الذي التهب بأشعة الشمس المحرقة بجانب المصلى يجلس الشيخ ياسين على فروة خروف بجلبابه المخطط الذي يهش بطرفه الذباب يتقدمه بطن مترهل ويمسك في يده عصا منذ سنوات تعود الجلوس في هذا المكان يلتف حوله أطفال البلدة ألأولاد دون البنات يعلمهم تعاليم القرآن الكريم مقابل گوز الذره او رغيف عيش
أتذكر أحمد أخي الصغير عندما كان يدق الأرض بصراخه يطلب من امي كوز من الذرة لاعطائه للشيخ ياسين
احمد يهوى التعليم منذ صغره يود ان يلتحق بمدرسة المعلمين حتى يصبح خوجه يهابه الناس وهو يؤمن بأن التعليم هو سلاح الفرد الذي يصنع بواسطته احترامه
كنت العب مع احمد في الحاره مع باقي أطفال حارتنا وعندما يشاهدون الشيخ ياسين بجلبابه المخطط وعمته البيضاء يتفرقون في أزقة الشوارع من الخوف
تذكرت أخي حسين وأنا بجوار عشه من الخوص بجوار الترعة التي كان يعمل فيها عند حسونه الكوهجي ولكنه ترك حسونه بعد أن اتسع رزقه واصبح يملك دكان على أول حارتنا يبيع فيه السكر والشاي وكافة البقول
اما حسونه جعل من هذه العشة الخوص خماره تهدم عقول شباب البلده بالرقص والخمر والحشيش فأصبح يتردد إلى هذا المكان زينة شباب البلدة يشربون الشاي وينفثون الدخان ويقال ايضا ان نوال الغجريه ترقص للرجاله وتنهب منهم الملاليم الذين جاهدوا في كسبها لتعطيها حسونه
تعجبت بحيرة لماذا يمضي الناس دون النظر لي؟
كنت اود ان يتعرف على اهلي قريتي ويقبلون نحوي مرحبين بقدومي ولكنهم لم يبالوا بنظراتي البائسة ولا بندائي الصامت وتساءلت هل تغيروا هل أصبحوا ناس اخرين لا اعرفهم ربما
لكن كيف كل شيء في مكانه يحتفظ بمعالمه كانه يدرك عودتي يوما ما إذا لماذا تنكر كل شيء لوجودي ربما انأ التي تغيرت تحسست جسدي وجدته لحم جاف يغطي عود قصب وقدمي تشق الأرض عطشه وشعري مبعثر ينفذ رائحه الدخان والأتربة
تركت كل شيء من حولي وركزت فقط على أحاسيس الشوق الذي يغمرني والصوت الذي يطالبني بالعودة إلى البداية ولكن الحزن عكر هذه المشاعر بعد أن اغتالت الأيام وحملني الزمن لنهاية العمر دون الطواف بمراحله بالرغم أن عمري لا يتعدى 13 ولكني اشعر كانني عجوز تعد الستين وها هو مكاني يظهر كلوحة من الطبيعة الساحرة لا يبليه الزمن
وعند عتبة المنزل قابلتني المفاجأة واستبدت بي دهشة غريبة وأنا انظر للفيف من النسوة يتشحن بالسواد البعض يبكي والبعض يولول والآخرون يتبادلون أحاديث خافته
أخي حسين يقف أمام عتبة الدار يستند برأسه إلى الحائط و يرتسم على وجهه معالم الحزن
أما احمد ينزوي في أحد أركان البيت يحدق في الأرض بعيون ميتة بجانبه زينب تقدح الحجر ليتصاعد منه سيمفونية عزف كئيبه وبين النسوة
جلست امي بوجه ممصوص في لون أوراق الشجر الذي يحتضر في فصل الخريف والدموع تبلل وجهها ترتدي جلباب اسود وغطاء را اسود عقدت به شعرها المبعثر
لقد دفنت مراره الأيام ملامحها تحت طيات التجاعيد والتهم الزمن شبابها واقتنص منها ابنتها ثم الان يقتنص منها زوجها حتى الابتسامة انتحرت فوق شفتيها معلنه اعتراضها على غدر الأيام
يتبع الفصل الرابع كل يوم في مثل هذا الوقت