توقفت السياره في ساحه يتجمع عندها الركاب من والى كفر المنشاوي اسرعت انا والشيخ العجوز في طريق لا اعرف له بدايه او نهايه كانت السماء ملبدة بالغيوم تنذر عاصفة اخرى من المطروكان الطريق خالي من الماره ولكنه لم يكن خالي من الاحزان
دور مغلقه على اهلها لم يصدر منها اي صوت كانها دور خراب تنام في ضيافه الخفافيش
يغطي الكفر بسماء تتكدس بالسحب السوداء حاصرني نباح الكلاب المسعورة الممزوج بنداء الكروان وهو يئن بانشودة امتزجت بخليط من الاحزانتساقط المطر على راسي وهمس لي بعشرات الاسرار عن هذا الجحيم الذي وقعت فيه
وفي الشوارع الضيقه جاس حذائي في الطين حاولت انتزاع قدمي ولكن قدمي خذلني وترك حذائي يحتضر في قبضه ارض ظهرت وحشيه من اول لقاء يجمعنا تركت قدمي يستبد به الطين وتابعت طريقي
وفي منتصف الكفر قام بيت عم منصور يتكون من طابق واحد من الطوب المطلي بالجير الابيض يطل من احد نوافذه امراه عجوز تخطت الاربعين لم يظهر من وجهها غير عظامه ترتدي جلباب اسود يستر جسدها النحيل نهشت لحمه كل انواع حشرات الريف الضاره تحدثت وقد انبسطت تجاعيد القلق من على وجهها
سي منصور بركه انك جيت بالسلامه
خطوت داخل البيت وجدت جدرانه عاليه مثل جدران السجن كل جدار يسابق الاخر ليبث الرعب في قلبي لا ادري لماذا خانني قدمي وطرح بي داخل هذا الكهف لعل الشيطان هو الذي حملني تحسست جدرانه ابحث عن منفذ اخرج منه غير بابه المزرقش برؤوس المسامير وشبابيكه المغلقه بقضبان حديديه كل احلامي التي ولدت ونمت معي وسط هذه الجدران شابت وماتت واصبحت رفات
وامام رهبه هذا الكهف الذي ظهر كقلعة الدركولا ارتفع بيدي في الهواء اطالب برحمه من الله تنقذني من هذا الهلاك
وفي سعاده مصطنعه احتضنت العجوز جسدي ترحب به احسست بذراعها كعنكبوت تلتف حول فريسته ابتعدت وانا انتفض من الفزع وصرخ في وجهي عم منصور وقال لي بحده
في ايه مالك هو انت هترجعي لعبطك تاني
تمتمت ستيته وقالت
وحياه النبي ما تزعلها يا منصور هي لازم بردانه تعالي يا حبيبتي لما اغسل لك رجليك واغير لك هدومك
اتجهت معها باستسلام نحو الحمام وعندما توارت اجسادنا عن عيون عمي منصور .جذبت شعري وتقول لي بانها الكل في الكل ويجب ان اسمع كلامها والا ستجعل من لحمي طعام لام الغول التي تقيم في مسكن تحت الارض
تخرج بالليل تجلس بجوار هذا الشباك تمشط شعرها واذاء نظراتها المرعبه وشعرها الابيض الذي يطل من غطاء رأسها المزركش واذنيها المشدودتين كقرني الشيطان واسنانها التي تتقدم فمها اخترت ان اكبت دموعي وابتلعت الكلام المجروح الذي تزاحم على لساني واكتفيت بسحق ظلها المتراقص في ضوء المصباح
وبعد ما انتهيت من غسل جسدي دلفت الحجره التي بها عم منصور كان يجلس حول اناء مصنوع من الفخار وبه قطع من الفحم يتصاعد دخان يملا المكان وطلب مني وهو يلف سيجارته من علبه دخان اكلها الصدى ان اجلس بجواره جلست بجواره ووضع امامي اناء به فتات من العيش المغمور باللبن وقال لي
كلي يا عود الزان ده انت على لحم بطنك من العصريه
امتلا جوفي بهواء اسود على أثره انتابتني موجه من السعال حاولت اهدئ نفسي مستأنسه بالطعام الذي امامي
وبعد تناولي للعشاء وضعت جسدي على كنبه خشبيه يتخللها السوس وقضيت ليلتي وانا اسمع همسات ووقع خطا ام الغول
في اليوم التالي فتحت النافذه بغضب شديد يقابله غضب الريح الذي تسرب الى الغرفه وبعثر كل شيء من مكانه فانطفات زباله المصباح وانتفض غطاء السرير من مكانه وهرب الذباب الذي قضى ليلته على بقايا الطعام وبين اساس البيت المتواضع الذي اسود من اثر الدخان الذي ينفسه عمي منصور
اسرعت العجوز تغلق النافذه واقبلت نحوي بقدمها الذي يحمل قبقاب له وقع ينذر بعاصفه من الغضب واطلت علي بوجهها النحيل بين ردائها الاسود وصاحت في وجهي
انت مش سامعه يا بنت الهبله من الصبح بنادي عليك ايه خرسه
نهضت من مكاني وانتابتني موجه من الحنق على اثر سبها لامي وقذفتها بشبشب في وجهها تهاوت علي بيدها و ضرباتها القاسيه توسلت لكل شيء حولي ان ينتشلني من بين يدي تلك المومياء وعندما توقفت نصبت قامتها وجذبت شعري معها واصبح حبيس قبضتها ولم يخرجني من فجوة هذا الالم غير دعم منصور وهو يحتضن اشلائي ويصيح فيها
حرام عليك يا مفتريه البت دي مش هتقعد في الدار لحظه واحده هتكون معايا في كل حته
هزت كبريائها الذي ملا راسها وقالت
هي اللي مش بتسمع الكلام
يا لها من امراه غريبه الاطوار نصفها انسان والنصف الاخر شيطان
حملني العم منصور ووضعني خلفه على الحمار واتجه نحو السوق لتنتهي ازمه هذا اليوم بفضل هذا العجوز فدائما ما يكتم حزنه وقهره بين ثنايا وجهه فهو حبيث حب هذه الشيطانه يجعل منه انسان ذليل يرضخ لكل مطالبها
لا ادري كيف احب هذا الشيخ الطيب تلك المراه القاسيه
فهي كالافعى تلون جلدها على حسب ارادتها وتبث سمها في فريستها وتجلس في ساحه الانتظار تنتظر نتيجه هذا السم فقد جعلت منه حمايه لها من امواج الحياه ومن عقله خادم لافكارها فليكن فلقد قبل طبيعه تلك المراه ولم يعد يفرق بين الخير والشر ومهما دار بنفسه في فلك الحياه سيعود ويلتمس الحياه تحت اقدامها
بالخارج هدات الريح وفسحت الشمس عن وجهها وبدات الحياه تدب في اوصال القريه
ففي الحاره التي يقف فيها بيت عمي منصور متفائلا بلونه الابيض تنحني سيده تدعى بهانه تنثر الاتربه على عتبة دارها التي لطخت بالطين نوافذ منزلها ترتفع شبر عن مستوى الارض لا ادري كيف يدخل الهواء هذا المدفن ولا ادري كيف تعيش هذه السيده ذات الوجه المعفر بالاتربه وسط هذه الدار التي تبدو كوكر للثعابين
يجاورها دار اخرى ذات ابواب وشبابيك مغلقه تحوم فوق سطحها البوم ويصدر منها اصوات الخفافيش وينطلق منها رائحه الموت تقطنها سيده تدعى شلبيه وهي دائما منعزله داخل قلعتها وهناك بعض الاقاويل الشائعه في البلده ان لهذه العجوز فتاه شاهدوها فتره ثم اختفت ومنهم من يقول ان الشياطين تقوم على تربيتها ومنهم من يقول ان العجوز ذبحتها ودفنتها لانها تحمل وشم على كتفيها لرسم شيطان ومن الاقاويل الشائعه ايضا عن هذه العجوز انها تتربع في جوف دارها كحارس عملاق لكنز ضخم
وذات يوم وانا العب بالحجاره وسط الحاره نقرت الحجاره نافذه منزلها فخرجت تلك العجوز البدينه ترتدي ثياب رثة رائحتها لا تطاق قذفتني بكلمات سامه وقالت لي بحده
اجري العبي بعيد يا شاطره وياك اشوفك قريبه من هنا تاني
يا لها من انسان بدائي يعيش بالفطره تحمل بين ذراعيها كلب اجرب عندما رايتها بتلك الهيئه خطوت بخطوات سريعه ابتعدت عن منزلها واغلقت باب البيت وانا التقط انفاسي ومنذ هذا اليوم والكوابيس تتسرب الى مضجعي كل ليلة
وقفت ستيته تنظر لي وقالت بلا مبالاه
مالك يا بنت بتجري ليه كده ما تردي رده الميه بزورك
وقفت امامها بدموع متحجره لا استطيع ان الفظ بكلمه واحده وطلبت مني ان ارافقها لتحضر غسل ميت
فهذه السيده امراه عاقر ومارست كل انواع البدع لعل الله يرزقها بطفله فكان هناك اعتقاد سائد في البلده ان العاقر عندما تحضر غسل ميت يفك الله كربها وبالطبع هذا نوع من البدع التي يؤمن بها مرضى العقول التي اكلها الياس وطرحهم بعيدا عن رحمه الله وانه سبحانه قادر على كل شيء
ذلك اليوم اتذكر كل لحظه مرت علي رايت جثه جسد نخره المرض ولم يتبقى منه غير عظامه
قامت بالغسل امرأة وضعت مشاعرها في قالب من الثلج
مرت لحظات طويله من الصمت خيل لي ان الجسد يتحرك حاولت ان اخرج من خيالي المريض بوضع اهدابي فوق عيني حاولت ان افلت من بين يدي ستيته ولكنها مصره على مشاركتي في هذه اللوحه الكئيبه
توسلت للارض بان تبتلع جسدي ولكنها ردت ندائي بخيبه امل لم يعد امامي غير هذا الجسد الصامت نظرت له بعيون بارده كعيون السمك لكي يرحمني من رؤيته او ياخذني معه اينما يذهب سواء الى الجحيم او الجنه اصرخ بصمت ولكن صرختي عادت مكتومه بين ضلوعي
حاولت ان اعترض بالاشاره ولكني لم اجد احدا يستجيب لاشارتي راحت اسناني تصدق وجسدي يرتعش وبدا اللون الابيض يخط في شعري الاسود الفاحم انكمشت داخل جلدي وانتهى المشهد الماساوي بسقوط غاشيه على الارض
تلك البدعة لم تكن الخرافه الأخيرة التي مارستها تلك المراه غير مباليه بقدره الله عز وجل
ذات يوم عندما عدت الى الدار بعد انكسار اشعه الشمس خلف الظلام دخلت الدار وكانت رائحه البخور تملا المكان وكل شيء ساكن لا يتحرك وفي احد اركان البيت جلست سيده ذات شفتين عريضتين ووجه ترك كل محاسن اللون الاسود ولم ياخذ منه غير قباحته وجسدها يزن رطلين من اللحمه
كانت المراه تضع شيء ما فوق المبخرة التي صنعتها تتمتم بكلمات غريبه وكان الدخان يتصاعد من المدخنه ويقتحم عقل سيتيته التي جلست شاحبه الوجه كانها تعاني من سكرات الموت مستسلمه لمخدر تلك المراه التي جعلت منها قطه بريه يسيطر عليها مشاعر الاستسلام لتلك البدينه التي صنعت من البيت معبد لعباده الشيطان
ووسط صحراء الصمت قالت ستيته
نفسي اجيب حته عيل يا ست سيسجاقة اعملي اي حاجه
سيقساقة دلاله تدعى انها حارس امين علي اسرار الناس ولكنها تحصد الاسرار وتوزعها في جنابات الكفر فلديها لسان لا يمر عليه احد مرور الكرام كما انها تمتلك قدره شديده على المناوره والاقناع فمعظم نساء البلده تثق بها وبوصفاتها نصحتها سقساقة بان تجرب وصفات زاهر العطار فقالت لها سيتيته
النبي ما خليت فيها حاجه الا ما جربتهوش
قالت سيقساقة وهي تفكر
يبقى ما فيش غير التبيعه وتابعت قولها وهي تنظر لستيته التي انسحب وجهها من الفزع
ايوه مالك اتخضيتي كده ليه دي وصفه سهله ما عليك الا تلف على الدور وتجيبي من كل دار رغيف عيش وتاكليهم مع كلب
عندما سمعت هذه الكلمات وقعت مني دميتي التي اشتراها لي عمي منصور من المولد من هول المفاجأة
يتبع الجزء الثالث يتم نشره غدا بنفس الموعد