فلاحه احتلت قلب المغرور بقلم هبة شرارة الفصل السادس
حسين أخي ذو طابع حاد فمن الصعب أن يحتفظ بهدوئه وعلى أتفه الأشياء يثير غضبه وبسبب هذا الطابع افتقد فن التعامل مع الناس فمعظم شباب البلدة يؤثرون الابتعاد عنه حتى إذا انخرط في أي حديث لا يحب أن يتحدث عن نفسه كان به شيء يريد أن يستره وراء غموضها
ورغم ما يعانيه من أزمات نفسية عرف الحب الطريق إلى قلبه فكان يجلس بالساعات على المصطبة أمام الدار يراقب نفيسه بنت عم عوضين جارنا وكانت هي الأخرى
تلاحظ نظراته لها فكانت تتعمد الخروج في الأوقات التي تراه جالسا أمام الدار ترتدي ثوب الدلال وتتمايل في خطوات الأنوثة وشعرها الفاحم ينسدل من منديلها الأحمر واللبان حائرة في فمها كان يلاحقها بنظراته وكل ما حاول الاقتراب منها تفر مبتعدة
انتظرته كثيرا أن يتقدم لخطبتها ولكنه لم يفعل كان يكتفي فقط بملاحقتها ومغازلتها فحسين يرتب حياته بطريقه حسابية ولا يسمح بتقديم خطوة على أخرى وخاصة أنه يحب عمله وطموحه أكثر من أي شيئا آخر
وذات ليلة تم خطبه نفيسة لمحروس ابن شيخ الغفري وما زال حسين يقف بعيدا في محرابه كانت تطل عليه بوجهها وترمي له نظرات تطالبه بصمتها أن ينقذها من أنياب محروس ولكنه اكتفى بدور المتفرج
وفي ظهر ليله كان يراقبها من خلف النافذة فتحت شباكها ونظرت له بعيون دامعة وجاهدت في رمي ابتسامه له وفي خطوات بطيئة متثاقلة تابعها وهي تتجه نحو النهر تحمل سره ملابس وكان الطريق خاليا من المارة
وعند حافة النهر تلتفت يمينا وشمالا واندست بين أعواد البوص التي تحيط بالنهر خلعت ملابسها لتكشف عن جسدها الناصع البياض وعلي حافة النهر جلست تنثر الماء على جسدها وعندما رأى عري جسدها توارت خلف اعواد البوص لتستر نفسها وهو ينظر لها كثعلب يود اقتناص ضحيته
اندفعت مشاعر الشهوة تغمره لا يعرف بدايتها او نهايتها وعندما لمحته القت بنفسها الى باطن النهر تستر جسدها ولكنها غاصت في اعماقه القى بنفسه خلفها وبين الأمواج المتلاطمة احتضنها حملها ووضعها ببطء بين أعواد البوص كتلة لحم متعبه
تحركت مشاعر الشهوة بداخله حاول ان يدفع مكانها مشاعر الحب النبيلة ولكن الحيوان الساكن في أعماقه تحرك ليلتهم حسين الانسان وتراقصت امنيه جسده تحثه على المضي نحو اعماقها
راحت تتلوى وتتشنج وامواج البحر تتلاطم وحفيف الشجر يعلو وأصوات القطط المتعاركة تتعالى صرخت ولكن قوة جسده دفعتها في مواجهة الموت تملصت من بين ذراعيها وجلست تلطم خديها وتدفن رأسها في التراب الذي امتزج بدم بكارتها
مسح عرقه الغزير بطرف كم جلبابه لفظت اهه ملوثة بالخطيئة ونظر لوجهها الملطخ بالطين وهو يقول
انا هتجوزك هروح لابوكي واطلب ايدك
لفظ هذه الكلمات وهو يدرك تماما أن اقتراحه لن يفيد وخاصة ان عرسها غدا ولن يرفض والدها عريس مثل محروس
حدقت الفتاة في ماء النهر وتمنت أن يختار الإنسان قدرة لاختارت أن تموت في أحضان النهر بدلا من الموت في أحضانه صرخت في وجهه وهي تقول
سيبنى دلوقتى سابق عليك النبي تصيبني
تضخم الندم في قلبي وبقدم متثاقل الخطى أخذ طريقه عائدا للبلدة كأن شيئا لم يحدث وكأن شيطان جسده لم يلوث بدم هذه الدامية
وفي مساء هذا اليوم خرج عشرات من رجال البلدة يحملون المشاعل بحثا عنها وانضم لهم حسين يحمل شعلة ينقب بها عن خطيئته بعد أن سرق منها آخر أنفاسها في الحياة
وعلى منتصف الليل رجع شباب البلدة منكسين الرأس تطاردهم قوة يجهلون مصدرها
وبعد مرور ثلاثة أيام جلجلت صيحات صبي أرجاء البلدة
غريق في الكباس يا بلد
اندفع الأهالي نحو الساقية واخرجي الجثة التي ضاعت معالمها وانتشرت الخرافة التي دفنت سرها وسر أخي حسين فقالوا إن النداهة قامت بندائها وأخذتها بعيدا عن البلدة وخنقتها وألقت بها في الساقية
ومنذ هذا اليوم عاش حسين داخل صومعته يطارده شبحها ومر من بين أصابعه الزمن ساعات وشهور وسنين عالقا قلبه على وجهها الباسم مقيما جسور بينه وبين أي شخصية
تحمل جسد امرأة وعندما تحاول إيه امرأة السير على نبضات قلبه يتسلح بكل أسلحة العالم لمحاربتها فكان لا يرى شيئا في المرأة غير جسدها
كان يرضى هذا الجانب بقضاء ليال في خيم الغجر الذين ينصبون خيامهم في الأراضي البور في موسم الموالدوهكذا قضى حسين أيامه يكفن شبابه تحت برزخ الخطيئة
تجاهلت كل الأحداث من حولي واتجهت نحو قطة تنام على الفرن حملتها وجلست على الارض اداعبها وعلى عتبة الدار وقفت سيدة تحملا على كتفها طفل متسخ شبه عار يلعب بالخرز الذي يزركش منديل راسها وهي تضرب رجله المدلاه على نهديها وتقول
بس يا وادي العواف عليكم
نظرت لها نظرت لها وانا ارد عليها السلام
اهلا وسهلا اتفضلي
امطرتني تلك السيدة بالقبلات فوق وجهي وهي تهتف من بين اسنانها
الف رحمه ونور عليك يا أبا عبد الله دي الحاره كلها تحبك عمره ما ذم في حد ولا جاب سيره حدا بكلمة بطاله
وعندما انتهت من كلماتها التي تبدو بلا بدايه او نهاية قالت
باستفسار
هي المحروسه تبقى مين
قلت لها وانا ازم شفتي
انا عود الزان
عود الزان اللي راح كفر المنشاوي يا الف مرحب هو انت اللي قاعده حدا عمك الحاج منصور انا بقى ابقى بهي بنت الحاج عبد الفتاح من كفر المنشاوي
اتجوزت صالح ومخلفه منه أربع بنات وصماله اخر العنقود يبقى خمسة في عين العدو ده احنا حدانا في البلد بيت كبير وحلو قوي في كفر المنشاوي بيجري فيه الخيل وانا ما حلتيش غير ابوي واخويا وامي وابويا بعيد عنك المرض ملازمه على طول
وأمام ثرثرتها كدت أن ألقي بها في الشارع فقطعتها وانا ازمجر واقول
امي جوه مش داريه بحاجه وما افتكرش انها تقدر تقابل حد
طأطأت رأسها وقالت
اه وماله يا حبيبتي الله يكون في عونها طيب بقى بالأذن
وعلى عتبه الدار قابلها حسين وهو ينظر لصدرها العاري وأرجلها المكتنزة باللحم
اهلا وسهلا بالست بهيت حصلت لنا البركه مستعجلة ليه
اهلا بسي حسين ابن الغالي
تمايل الطفل من على كتفها تمايلت معه لتكشف فتحه الفستان عن بدايه نهديها وعين حسين ما زالت تنهب من لحمها تابعت قولها
انا قلت اجي اطيب خاطر الحاجه بس يا ولديه مش داريناه بحاجة
ادعى لها يا ست بهية ربنا يأخذ بيدها
يا رب يا سهى حسين جدتك بعافية
مع السلامة تبقى خلينا نسوفك
وبعد أن خرجت تلك البهية استدار حسين وقال لي
يلي يعود الزان هات السرة بطاعتك عم منصور ميتنيك في الركوبة
حملت سره ملابسي وأنا أدفن بها منديلي القرنفلي الذي أعطاه لي والذي ودعت إخوتي ودعت أمي وخالتي فاطمة
وأنا الآن ارحل من هذه الدار
هذه المرة ارحل وقد رحل عني اي بصيص من الأمل في العودة حيث انني ايقنت ان هذا المكان لا يرحب بوجودي فكل فرد من افراد اسرتي بداخله عالم مستقل بذاته ويرفض مشاركة أحد به فما على الان غير الانسحاب
تحركت الركوبة وأنا أنظر لأمي وهي تطل من الشباك وتنطق بكلمات غير مفهومة
الفصل السابع يتبع